فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ}.
وهو الحكم بنجاة السعداء وهلاك الأشقياء: {إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} أي: على ألسنة رسله بأن في إتباعهم النجاة والسلامة، أي: فوفى به وأنجز: {وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} أي: ووعدتكم وعد الباطل، وهو أن لا بعث ولا جزاء. ولئن كان، فالأصنام شفعاؤكم. ولم يصرح ببطلانه لدلالة قوله: {فَأَخْلَفْتُكُمْ} عليه. والإخلاف مستعار لعدم تحقق ما أخبر به وكذبه، أو مشاكلة. وفي الآية من الإيجاز البليغ شبه الاحتباك. حيث حذف أولًا فوفى به لدلالة قوله بعدُ: {فَأَخْلَفْتُكُمْ} عليه لأنه مقابله، وحذف ثانيًا وعد الباطل لدلالة: {وَعدَ الْحَقِّ}.
{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} أي: حجة وبرهان: {إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} أي: أسرعتم لطاعتي بمجرد ذلك، أي: وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه: {فَلاَ تَلُومُونِي} أي: بوعدي إياكم، إذ لم يكن بطرق القسر: {وَلُومُواْ أَنفُسَكُم} أي: حيث استجبتم لي باختياركم، حين دعوتكم بلا حجة ولا دليل. ولم تستجيبوا ربكم، إذ دعاكم دعوة الحق المقرونة بالبراهين والحجج.
قال القاشاني: لما ظهر سلطان الحق على شيطان الوهم وتنوَّر بنوره، أسلم وأطاع وصار محقًا، عالمًا بأن الحجة لله في دعوته للخلق إلى الحق لا له. ودعوته إلى الباطل بتسويل الحكام وتزيين الحياة الدنيا عليهم واهية فارغة من الحجة. وأقرَّ بأن وعده تعالى بالبقاء بعد خراب البدن والثواب والعقاب عند البعث حقٌّ قد وفى به. ووعدي بأن ليس إلا الحياة الدنيا باطل اختلقته. فاستحقاق اللوم ليس إلا لمن قبل الدعوة الخالية عن الحجة فاستجاب لها. وأعرض عن الدعوة المقرونة بالبرهان فلم يستجب لها. انتهى.
وحكي في الإكليل عن ابن الفرس: أن بعضهم انتزع من هذا إبطال التقليد في الاعتقاد. قال: وهو انتزاع حسن؛ لأنهم اتبعوا الشيطان بمجرد دعواه، ولم يطلبوا منه برهانًا. فحكى الله تقبيحًا لذلك الفعل منهم. انتهى.
{مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ} أي: بمغيثكم ومنجيكم من العذاب: {وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} أي: مما أنا فيه. قال ابن الأعرابي: الصارخ: المستغيث، والمصرخ: المغيث، يقال: صرخ فلان إذا استغاث وقال: واغوثاه! وأصرخته: أغثته. فالهمزة للسلب، يعني أزلت صراخه، وهو مدُّ الصوت {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} أي: كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم- أي: في الدنيا- يعني: جحدت أن أكون شريكًا لله عز وجل، وتبرأت منه ومنكم، فلم يبق بيني وبينكم علاقة كقوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُم} [فاطر: من الآية 14]، وقوله: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 6]، وقوله: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 82] {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ابتداء كلام منه تعالى، أو تتمة كلام الشيطان.
قال الزمخشري: وإنما حكى الله عز وعلا ما سيقوله في ذلك الوقت؛ ليكون لطفًا للسامعين في النظر لعاقبتهم والاستعداد لما لابد لهم من الوصول إليه، وأن يتصوروا في أنفسهم ذلك المقام الذي يقول الشيطان فيه ما يقول، فيخافوا ويعملوا ما يخلصهم منه وينجيهم.
ولما ذكر تعالى مآل الأشقياء وما صاروا إليه من الخزي والنكال، عطف بمآل السعداء بقوله سبحانه: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ} أي: بالله ورسوله وكتابه: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} أي: الطاعات: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي: من تحت مساكنها وشجرها، أنهار الخمر والماء والعسل واللبن: {خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} متعلق بـ {أدخل} أي: أدخلتهم الملائكة الجنة بإذن الله وأمره: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} أي: تحييهم وتكرمهم الملائكة بالسلام عليهم، كقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُم} [الزمر: من الآية 73]، وقوله: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سلامٌ عَليْكُم} [الرعد: 23- 24]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}.
أفضت مجادلة الضعفاء وسادتهم في تغريرهم بالضلالة إلى نطق مصدر الضلالة وهو الشيطان؛ إما لأنهم بعد أن اعتذر إليهم كبراؤهم بالحرمان من الهدى علموا أن سبب إضلالهم هو الشيطان لأن نفي الاهتداء يرادفه الضلال، وإما لأن المستكبرين انتقلوا من الاعتذار للضعفاء إلى ملامة الشيطان الموسوس لهم ما أوجب ضلالهم، وكل ذلك بعلم يقع في نفوسهم كالوجدان.
على أن قوله: {فلا تلوموني} يظهر منه أنه توجه إليه ملام صريح، ويحتمل أنه توقّعه فدفعه قبل وقوعه وأنه يتوجه إليه بطريقة التعريض، فجملة {وقال الشيطان} عطف على جملة {فقال الضعفاء}.
والمقصود من وصف هذا الموقف إثارة بغض الشيطان في نفوس أهل الكفر ليأخذوا حذرهم بدفاع وسواسه لأن هذا الخطاب الذي يخاطبهم به الشيطان مليء بإضماره الشر لا لهم فيما وعدهم في الدنيا مما شأنه أن يستفز غضبهم من كيده لهم وسخريته بهم، فيورثهم ذلك كراهية له وسوء ظنهم بما يتوقعون إتيانه إليهم من قِبَله.
وذلك أصل عظيم في الموعظة والتربية.
ومعنى {قضى الأمر} تُمّم الشأن، أي إذن الله وحكمه.
ومعنى إتمامه: ظهوره، وهو أمره تعالى بتمييز أهل الضلالة وأهل الهداية، قال تعالى: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} [سورة يس: 59]، وذلك بتوجيه كل فريق إلى مقره الذي استحقه بعمله، فيتصدى الشيطان للتخفيف عن الملام عن نفسه بتشريك الذين أضلهم معه في تبعة ضلالهم، وقد أنطقه الله بذلك لإعلان الحق، وشهادة عليهم بأن لهم كسبًا في اختيار الانصياع إلى دعوة الضلال دون دعوة الحق.
فهذا شبيه شهادة ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وقولها لهم: {أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} إظهارًا للحقيقة وتسجيلًا على أهل الضلالة وقمعًا لسفسطتهم.
وأخبر الله بها الناس استقصاء في الإبلاغ ليحيط الناس علمًا بكل ما سيحل بهم، وإيقاظًا لهم ليتأملوا الحقائق الخفية فتصبح بينة واضحة.
فقول الشيطان {فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} إبطال لإفراده باللوم أو لابتداء توجيه الملام إليه في حين أنهم أجدر باللوم أو بابتداء توجيهه.
وأما وقع كلام الشيطان من نفوس الذين خاطبهم فهو موقع الحسرة من نفوسهم زيادة في عذاب النفس.
وإضافة {وعد} إلى {الحق} من إضافة الموصوف إلى الصفة مبالغة في الاتصاف، أي الوعد الحق الذي لانقض له.
والحق: هنا بمعنى الصدق والوفاء بالموعود به.
وضده: الإخلاف، ولذلك قال: {ووعدتكم فأخلفتكم} [سورة إبراهيم: 22]، أي كذبتُ موعدي.
وشمل وعد الحق جميع ما وعدهم الله بالقرآن على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام.
وشمل الخُلْف جميعَ ما كان يعدهم الشيطان على لسان أوليائه وما يعدهم إلا غرورا.
والسلطان: اسم مصدر تسلط عليه، أي غلبه وقهره، أي لم أكن مجبرًا لكم على اتباعي فيما أمرتكم.
والاستثناء في {إلا أن دعوتكم} استثناء منقطع لأن ما بعد حرف الاستثناء ليس من جنس ما قبله.
فالمعنى: لكني دعوتكم فاستجبتم لي.
وتفرع على ذلك {فلا تلوموني ولوموا أنفسكم}.
والمقصود: لوموا أنفسكم، أي إذ قبلتم إشارتي ودعوتي.
وقد تقدم بيانه صدْرَ الكلام على الآية.
ومجموع الجملتين يفيد معنى القصر، كأنه قال: فلا تلوموا إلاّ أنفسكم، وهو في معنى قصر قلب بالنسبة إلى إفراده باللوم وحقهم التشريك فقلب اعتقادهم إفراده دون اعتبار الشركة، وهذا من نادر معاني القصر الإضافي، وهو مبني على اعتبار أجدر الطرفين بالرد، وهو طرف اعتقاد العكس بحيث صار التشريك كالملغى لأن الحظ الأوفر لأحد الشريكين.
وجملة {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي}، بيان لجملة النهي عن لَومه لأن لومه فيه تعريض بأنهم يتطلبون منه حيلة لنجاتهم، فنفي ذلك عن نفسه بعد أن نهاهم عن أن يلوموه.
والإصراخ: الإغاثة، اشتق من الصُراخ لأن المستغيث يصرخ بأعلى صوته، فقيل: أصرخه، إذا أجاب صُراخه، كما قالوا: أعتبه، إذا قبل استعتابه.
وأما عطف {وما أنتم بمصرخي} فالمقصود منه استقصاء عدم غناء أحدهما عن الآخر.
وقرأ الجمهور {بِمُصرِخيَّ} بفتح التحتية مشددةً.
وأصله بمصرخِييَ بياءين أولاهما ياء جمع المذكر المجرور، وثانيتهما ياء المتكلم، وحقها السكون فلما التقت الياءان ساكنتين وقع التخلص من التقاء الساكنين بالفتحة لخفة الفتحة.
وقرأ حمزة وخلَف {بِمُصرِخيِّ} بكسر الياء تخلصًا من التقاء الساكنين بالكسرة لأن الكسر هو أصل التخلص من التقاء الساكنين.
قال الفراء: تحريك الياء بالكسر لأنه الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، إلا أن كسر ياء المتكلم في مثله نادر.
وأنشد في تنظير هذا التخلص بالكسر قول الأغلب العِجْلي:
قال لها هل لككِ يا تَا فيَّ ** قالت له: ما أنتَ بالمرضيِّ

أراد هل لككِ فيّ يا هذه.
وقال أبو علي الفارسي: زعم قطرب أنها لغة بني يربوع.
وعن أبي عمرو بن العلاء أنه أجاز الكسر.
واتفق الجميع على أن التخلص بالفتحة في مثله أشهر من التخلص بالكسرة وإن كان التخلص بالكسرة هو القياس، وقد أثبته سند قراءة حمزة.
وقد تحامل عليه الزجاج وتبعه الزمخشري وسبقهما في ذلك أبو عُبيد والأخفش بن سعيد وابن النحاس ولم يطلع الزجاج والزمخشري على نسبة ذلك البيت للأغلب العِجلي.
والذي يظهر لي أن هذه القراءة قرأ بها بنو يَربوع من تميم، وبنو عِجل بن لُجيم من بكر بن وائل، فقرأوا بلهجتهم أخذًا بالرخصة للقبائل أن يقرأوا القرآن بلهجاتهم وهي الرخصة التي أشار إليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه» كما تقدم في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير، ثم نسخت تلك الرخصة بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الأعوام الأخيرة من حياته المباركة ولم يثبت مما ينسخها في هذه الآية.
واستقر الأمر على قبول كل قراءة صح سندها ووافقت وجهًا في العربية ولم تخالف رسم المصحف الإمام.
وهذه الشروط متوفرة في قراءة حمزة هذه كما علمت آنفًا فقصارى أمرها أنها تتنزل منزلة ما ينطق به أحد فصحاء العرب على لغة بعض قبائلها بحيث لو قرئ بها في الصلاة لصحت عند مالك وأصحابه.
وجملة {إنى كفرت بما أشركتمون من قبل} استئنافُ تَنَصُّل آخر من تبعات عبادتهم إياه قصد منه دفع زيادة العذاب عنه بإظهار الخضوع لله تعالى.
وأراد بقوله: {كفرتُ} شدة التبري من إشراكهم إياه في العبادة فإن أراد من مضي {كفرت} مضي الأزمنة كلها، أي كنت غير راضضٍ بإشراككم إياي فهو كذب منه أظهر به التذلل؛ وإن كان مراده من المضي إنشاء عدم الرضى بإشراكهم إياه فهو ندامة بمنزلة التوبة حيث لا يقبل متاب.
و{من قبل} على التقديرين متعلق بـ {أشركتمون}.
والإشراك الذي كفر به إشراكهم إياه في العبادة بأن عبدوه مع الله لأن من المشركين من يعبدون الشياطين والجن، فهؤلاء يعبدون جنس الشيطان مباشرة، ومنهم من يعبدون الأصنام فهم يعبدون الشياطين بواسطة عبادة آلهته.
وجملة {إن الظالمين لهم عذاب أليم} من الكلام المحكي عن الشيطان.
وهي في موقع التعليل لما تقدم من قوله: {ما أنا بمصرخكم}، أي لأنه لا يدفع عنكم العذاب دَافع فهو واقع بكم.
{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
عطف على جملة {وبرزوا لله جميعًا}، وهو انتقال لوصف حال المؤمنين يومئذٍ بمناسبة ذكر حال المشركين لأن حال المؤمنين يومئذٍ من جملة الأحوال المقصودة بالوصف إظهارًا لتفاوت الأحوال، فلم يدخل المؤمنون يومئذٍ في المنازعة والمجادلة تنزيهًا لهم عن الخوض في تلك الغمرة، مع التنبيه على أنهم حينئذٍ في سلامة ودعة.
ويجوز جعل الواو للحال، أي برزوا وقال الضعفاء وقال الكبراء وقال الشيطان إلخ وقد أدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات، فيكون إشارة إلى أنهم فازوا بنزل الكرامة من أول وهلة.
وقوله: {بإذن ربهم} إشارة إلى العناية والاهتمام، فهو إذن أخص من أمر القضاء العام.
وقوله: {تحيتهم فيها سلام} تقدم نظيره في أول سورة يونس. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}.
بين في هذه الآية أن الله وعدهم وعد الحق وأن الشيطان وعدهم فأخلفهم ما وعدهم وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله في وعد الله: {وَعْدَ الله حَقًّا} [النساء: 122] وقوله: {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} [آل عمران: 9] وقوله في وعد الشيطان {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُورًا} [النساء: 120] ونحو ذلك من لآيات.
قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}.
بين في هذه الآية الكريمة أن تحية أهل الجنة في جنة سلام وبين في مواضع أخر أن الملائكة تحييهم بذلك وأن بعضهم يحيي بعضًا بذلك فقال في تحية الملائكة لهم: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 23- 24] الآية وقال: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} [الزمر: 73] الآية وقال: {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا} [الفرقان: 75] وقال في تحية بعضهم بعضًا: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [يونس: 10] الآية كما تقدم إيضاحه. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}.
وهنا نجد تصعيدًا للحوار؛ فبعد أنْ كان من المتبوعين والتابعين؛ نجد هذا الارتقاء في الحوار ليكون بين الشيطان وبين البشر. ونلحظ أن الحق سبحانه هنا بالحال الذي يدور فيه الحوار وهو انقضاء الأمر؛ حيث يقرَّر الوَضْع النهائي لكل شيء؛ ولا نقاشَ في أيّ أمر، ولا فرصة للتراجع عما حدثَ.
وقضاءُ الأمر يعني أن يذهب كل إنسان إلى مصيره، فمَنْ كان من أهل الجنة دخلها؛ ومَنْ كان من أهل النار دخلها؛ فقد وصلتْ الأمور الى حَدَّها النهائي الذي لا تتغير من بعده.
ويفضح الشيطان نفسه فيقول:
{إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم: 22].
ووَعْد الله حَقٌّ، لأنه وَعْد مِمَّنْ يملك؛ أما وَعْد الشيطان فقد اختلف؛ لأنه وعْد بما لا يملكَ؛ هو وَعْد كاذب؛ لأن الحق سبحانه هو الأمر الثابت الذي لا يتغير.